تنبثق جل التقاليد والأعراف الأمازيغية من صميم عقيدتهم وقيمهم الإسلامية منذ أن اختار آباؤهم الله تعالى ربا والإسلام دينا ومحمدا صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.فمن تقصىهذه الأعراف بعمقواستطاع الغوص الى جذورها الثقافية وخلفياته العقدية والفلسفية ، ولم يقف على مجرد حروفها وأشكال تعابيرها الخارجية ،سيقف على أنها تستمد مرجعيتها وخلفيتها من روح انتمائهم الى العقيدة الإسلامية والإعتزاز بقيم دينهم. ولايحتاج الباحث الى كثير عناء للاستدلال على انطباعها بسمات الحضارة الإسلامية وعبق قيمه الخالدة.
ومن التقاليد الأمازيغية الراسخة والصامدة في وجه زوابع التحريف والتبديعوالانتحال تلك التي يعبر بها الأمازيغيون عن فرحهم واستبشارهم بإشراقة الربيع المحمدي وإطلالة ذكرى مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام. فهذه الذكرى من أعظم المناسبات الدينية والاجتماعية عند القبائل الأمازيغية قديما وحديثالما لها في حياتهم من عميق الأثر، كيف لا وهي تجسيد عملي لأصدق تعبير عن حبهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعلقهم بجنابه الشريف.فلهذه الذكرى من الحمولات الدينية والثقافية والاجتماعية ما يستعصي على العد والحصر ،حيث يختلفشكل الإبداع في التعبير عن الفرح برسول الله من منطقة الى أخرى:من جبال الريف مرورا بقبائل الأطلس وسهولسوس والحوز وواحات باني درعة الى تخوم زاكورة وتافيلالت شرقا، وهذا ما ينوء بسطه على مقال مختزل كهذا وسنكتفي بإبرازما هو مشترك من أشكال التعبير عن الفرح بالمولد الشريف وما يختزنه هذا التعبير من الدلالات الرمزية.
فإذا ارتبط عيد الأضحى ب “تافسكا ” وهي الأضاحي واللحوم فأيقونة المولد النبوي عند الأمازيغيين هي ” تَمَّنْتْ ” العسل بما يجسده من طهر وصفاء وفطرة وشفاء، حلو ما بعده حلاوة ،طيب الرائحة ذكره الله تعالى في محكم كتابه اشارة الى مزيته وأودعه سر من أسرار شفائه. فلم يجد الأمازيغيون أصدق تعبير يلخص حبهم الفطري لجناب المصطفى إلا العسل، ولو لم يكن هذا الحب صادقا لما وفقوا في التعبير عنه بالعسل . فأعظم بها من نعمة إلهية ما تضاهيها أي نعمة في الوجود: نعمة مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة ،فمن لم يكن لهنصيب من محبته لم يذق في حياته لذة ولا نعمة ، إنه المصطفى وكفى.
فالابتهال بالمولد الشريف عند الأمازيغيين يبدأمنذ اليوم الأول من بزوغ هلال شهر الربيع النبوي، فتعم الفرحة كل الأرجاء وتصدح المآذن بالمديح العذب الشجي ، وتزهر المساجد بحلق الذكر وتلاوة القرآن، يصطف فيها الأطفال والشباب والشيوخ جنبا الى جنب لافرق في المحبة والفرح بين الصغير الكبير،فهم جميعا ينتشون طربا وفرحا بميلاد خير البرية صلى الله عليه وسلم ،فتزف الأودية ألحان هذا المديح العذب الى الروابي والجبال الشامخة، فيهتز الكون كله فرحا وسعادة وهناء. ومن الصور البهية لهذا الفرح أن البوادي كما الحواضر في بلدنا هذا العام قد توشحت بوشاح أخضر بهيجبعد أمطار الخير، ووضعت الجبال على قممها تاج البياض في وقار، وما تركت الأرض في رحمها من زهر زرع ولا رياحين إلا أخرجتها وتزينت بها كأنها العروس في أبهى زينتها، كيف لا وبركة الزمان تصادف ميلاد شفيع الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ومع بزوغ فجر يوم المولد النبوي يتذوق الأمازيغيون مذقة من شهد العسل مرددين : (أًسْلالْنتَمَّنْتْأَرَسُّولُ الله) شهد العسل يا رسول الله مع الصلاة والسلام عليه والدعاء في خشوع يليق بحضرته صلى الله عليه وسلم، وكم رأينا النساءيذرفن الدموع حين تناوله محبة لرسول الله .وتتنافس النساء في طهي ما لذ وطاب من الحلويات والمشروبات في صبيحة هذا اليوم الأغر السعيد، وبعد الإفطار العائلي ينصرف الناس وككل الأعياد للتزاور وصلة الرحم وتبادل التهاني والتبريكات و الفرحة عنوان الكون وسمته البارزة .
فالمولد النبوي عند الأمازيغيين ليس مجرد ذكرى بل مناسبة يعدون لها كلما هو جميل في حياتهم: فيه يتصالح المتخاصمون وتبرم العهود والمواثيق بين القبائل قديما ، وفيه تعقد الخطوبات وحفلات خثان الأطفال وهو كذلك مناسبة ميمونة للزفاف،وهذا من باب تعظيم شعائر الله والتماس بركة الزمان وشرف اللحظة.بالإضافة الى المواسم الثقافية والتجارية التي تنظم بأسماء الأولياء الصالحين المنتشرين في كل البقاع الأمازيغية، والتي تسير لها الركبان نظرا لأهميتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
المولد النبوي عند الأمازيغيين مناسبة جليلة ذات سمات روحية عميقة، تعبر عن حبهم الصادق لجناب المصطفى الكريم فرحا وطربا بإشراقة صباحه في كل سنة ، يختلف التعبيرعن الفرح فيها من منطقة الى أخرى ويبقى روح الذكرى واحداإنه الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أًسْلالْنتَمَّنْتْأَرَسُّولُ الله) اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحابته أجمعين.
