adblocktest watsapp-video: الــزَايْدي و بَــاهَــا




حسن الحافة
قدمتُ الإسم الأول على الثاني رغم أنهما لم يكونا مترادفين في الحياة الدنيا، و رغم أن في قراءة العنوان بعضُ من ثقل اللسان. وسيقول لي قائلٌ لما لا تؤخر "الزايدي" و تُقدم "باها" كي يصير نطق العنوان سهلا، و يجري على اللسان مجرى الوادي الذي إغتصب روح "الزايدي". لكن للأمانة التاريخيّة فسبق الموت حظي به الأول ولحق به الثاني في نفس المكان، كأن السياسة أردتهما خصمين مُتصارعين في الحياة الدنيّا، ووحد الموت مكان خطفِ روحيهما.
مات "الزايدي" و شيّع رفاقه جثمانه، ولأن السياسة مصالح. قدم بعضاً من رموز العدالة والتنمية العزاء لنظرائهم في حزب الإتحاد الإشتراكي، وشحذ حامي الدين قلمه و نسب موت "الزايدي" للخلافات بينه وبين إدريس لشكر و أن حادثة الوفاة هي تصفيّة حسابات بين رفاق الأمس ــ أعداء اليوم. فقامت الدنيا في البيت الإتحادي و وصفوه بالرجل الذي يصطاد في الماء العكر، و أنه "حِشَرِيّ"
يتدخل في شؤون الحزب، فرد من رد، و إكتفى البعض بتغريدة على حسابه الشخصي يشجب تصرفه مدوناً تلك العبارة الشهير" إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجر".
فها هي قطعة من البيت الزجاجي للعدالة والتنمية قد سقطت. وليست أي قطعة. بعد أن دهسه في ظلمة المساء قطار سريع يشتغل و يتحرك تحت تصرف واحد من إخوانه في حزب العدالة والتنمية "عزيز الرباح". هكذا قالوا حين إنتشر الخبر كالنار في كومة من أعواد قشٍّ يابسة، فموته كان بسبب توقفه ليطلعَ على مكان وفاة "الزايدي"، كأن روح الأخير نادته و أغرته بالتوقف كيّ يلقى نفس المصير. هل كان يقرأ الفاتحة أم إكتفى فقط بالنظر؟. تلك أشياء في النفوس لا يمكننا الإطلاع عليها ولا سبر أغوارها. فما إطلعنا عليه وشاهدناه، هو جثة ملفوفة في قماشِ أسود محمولة لسيارة إسعاف.
مات "باها" كما يموت واحد من الناس، إنتهت مدة صلاحية بقائه في الدنيا. مات بشكل جعل بعضا من رواد "الفايسبوك" يشمئِزون من طريقة موته، فمن مات مغدوراً ليس كمن مات ممدداً على فراشه بعد أن شرب كأس اللبن و نظف أسنانه بالمعجون. كان شهيد "الترانات" إسوة بالعشرات الذين حول قطار أهوج أبدانهم لأشلاء. قتل بسبب الإهمال و التسيّب، إلا أنه محظوظ لأن عناوين الصحف و المجلات و أثير الراديو و شاشة التلفاز، ستفرد له حيزاَ و مساحة مهمة في أخبارها، عكس ذلك الراعي الذي هربت شاة و لحقها كي يعيدها للقطيع، فقطعت الشاة السكة الحديدية بسلام، بينما صدمه هو القطار. نُشر خبر موت الراعي في مقال في أخر زاوية من جريدة تحت عنوان "تهور راعي يوقف القطار لخمس ساعات".
يجيبك صديق في المقهى حين تخبره أن فلان دهسته سيارة أو قطار أو مات غرقا، " الله على شحال خايبة الموت ديالو"، رغم أن إحساس الموت لا يختلف سواء مُتَ شنقا أو غرقا أو نائماً، ويعلن تعاطفا مع "المرحوم" حتى دون أن تكون له به سابقة معرفة. فعبد الله باها ــ ربما ــ كان يدعو بعد كل صلاة بأن يموت في فراشه بين أبنائه، لكن هم يدعون و يتمنون و لإرادة الله سيناريو أخر لا علم لنا بها.
لنعد للراحلين. "الزايدي" مات تحت الجسر بسبب غمر المياه لسيارته "التوماتيك"، وعبد الله باها قتل بأعلى الجسر بسب قطار "ماشي أوتوماتيك" هو قطار يسير "على سفينة الله" ربما يصل و ربما لا. ربما يقف في المحطة وربما يتوقف بسبب أشلاء جثة دهسها في طريقه.
و كما فعل حامي الدين سيفعل إتحاديون كثر، ومنهم من بدأ في البحث عن الكلمات التي سيدبج به مقاله، الفرق أن باها لم يكن له خلاف مع بن كيران بل كان علبته السوداء، كأن السواد قدر لازمه في حياته وحتى في لحظة وفاته. و إن كتب البعض الإتحادين مؤولين موت باها وربطه بشيئ داخل الحزب نجهله نحن "الرعاع"، فحامي الدين سيجيبهم ليس بتلك المقولة الشهيرة، بل بعبارة : أن تموت فوق الجسر ليس كموتك في نفقه".
عادلت عدالة السماء بين العدالة والتنمية وبين الإتحاد الإشتراكي، فخطفت إثنين من أبرز رجالاتهما بنفس المكان، بل في نفس النقطة من المكان. وبين الراحلين قتلت السيول العشرات و هشم القطار العديد من الجماجم، و يتَّم أطفال و رمل نساء. و أفقد رجالا أنوثة كانت تدفئ فراشهم في ليالي الشتاء البارد.
فلترقد روحيّ الرجلين في سلام.